السلام عليكم ...
بين مجاهدٍ وشهيد,وجريح وأسير,قصة لرصاصة حاسمة اتخذتها الحياة مكاناً لها,وجعلت من دمعة الفراق زماناً لا ينتهي. وبين غائب وعائد,مشهد يجعل القلب يتوقف لبرهة,يسأل نفسه عن معنى نبضه,فيقرأ الحياة سطوراً كتبتها أصابع انغرست في تراب أحمر اللون.
من شهيد الى ولده الذي لم يولد بعد:
إلى ولدي الحبيب لأني أحبك يا أعز عزيز,قررت الرحيل.. أردت حين تأتيني,أن أضمك بأكثر من ساعدي.. أردت لصدري أن يكون وسع المدى لأجل عينيك.. لأني رأيت الوجود صغيراً أمام حبي لك,وجدت المكان ضيقاً,والزمان قصيراً,غزلت لك السماء والأرض شال حنوٍ يحملك لتشعر بي,لتلامسني وأنا بعيد,وتقول: (هذا حبك يا أبي)... لو تدري,يا ولدي كم انتظرتك! لأجلك,نصبت بين الشمس وأهدابي أرجوحة من الأحلام الأرجوانية وغنيت لك.. تركت صداي هناك حتى لا تستوحش الليالي وبردها وأنا تحت تراب النوى.. لو كنت تدري,يا ولدي الذي لن أراه,كم حدثت عنك الوهاد والجبال,وكم رسمت وجهك الملائكي على خطوط العشق الممتدة بين القلب والأرض.. وكم حفرت اسمك على صفحات المياه العذبة لتزداد رقرقة,وليطول سفرها بين تشعبات الصخر لتحكيك: حكاية ( ابن المقاوم)... لا متني حدود الكون,يا ضياء عيوني,لأني ارتديت عباءة الغياب عنك,وسألتني نجوم الليل: كيف ترحل عمن انتظرته طوال سن العذاب؟! وحنت تراب المسير وأنا أطؤه ليلاً حاملاً جعبة الموت,على لحظات ستأتي دوني,على زمنٍ سيمر عليها ولن تلمح فيه وجهي,وأنا أردد على مسامعها بهمس: إذا مر ولدي هنا,حدثيه عني,غني له أخباري.. إذا ما مر وليدي هنا,وقد أصبح شاباً,تذكري أنه من تربى يتيماً لأجل الوطن.. طال عتاب الموجودات يا ولدي.. لكني لا أملك سوى روحي وجسدي,أمدهما أمام طريق مسيرك,جعلت من فتاتها في سجلات النور لك إسماً,تشير إليه,تقول (هو ذا والدي الشهيد).. لم أملك من هذه الدنيا,غير إسمي,وسلاحي العتيق,ويقيناً بالله لم تعتره غشاوة,فعرفت حقيقة الوجود,وقرأت قرآن الحياة,حفظت ولاية علي واختيار الحسين.. فكنت كلما نظرت إلى أفق السماء تذكرتك,مسائلاً نفسي أي ميراثٍ أتركه لك,فلم أجد شيئاً أغلى من نفسي أقدمها في سبيل الله فتكون شهادتي هدية لأجل حياتك.
فأردتك أن تعرف! (لأني أحبك يا أعز عزيز قررت الرحيل)
منقوله ...
والسلام ختام ...